{ القرآن الكريم }

Followers

الاثنين، 9 مايو 2011
بسم الله الرحمن الرحيم

يجب الإيمان بالقدر خيره وشره, وحلوه ومره, وقليله وكثيره, وظاهره وباطنه, ومحبوبه ومكروهه, وحسنه وسيئه, وأوله وآخره من الله, قضى قضاءه على عباده, وقدر قدره عليهم, لا أحد يعدو منهم مشيئة الله عز وجل, ولا يجاوز قضاءه, بل هم كلهم صائرون إلى ما خلقهم له, واقعون فيما قدر عليهم لا محالة, وهو عدل من ربنا عز وجل, فأراد الطاعة وشاءها ورضيها وأحبها وأمر بها, ولم يأمر بالمعصية ولا أحبها ولا رضيها, بل قضى بها وقدرها وشاءها وأرادها، والمقتول يموت بأجله.




 
نعم, هذا البحث عن الإيمان بالقدر, بعد أن انتهى المؤلف رحمه الله من البحث في الصفات, انتقل إلى الإيمان بالقدر, البحث الأول الإيمان والتوحيد, حقيقة الإيمان، ثم الإيمان والإسلام، ثم الإيمان بالصفات, ثم انتقل إلى الإيمان بالقدر, الإيمان بالقدر ركن من أركان الإيمان, وأصل من أصول الإيمان الستة, لا يصح الإيمان إلا به, فمن لم يؤمن بالقدر فهو كافر, فهو أصل من أصول الإيمان الستة, قال الله تعالى: ﴿ إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ ﴾ هذا دليل على إثبات القدر قال الله تعالى: ﴿ إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ ﴾وقال سبحانه: ﴿ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا ﴾ وثبت في صحيح مسلم من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه: « أن جبرائيل أتى إلى النبي صلى الله عليه وسلم في صورة رجل شديد البياض الثياب، شديد سواد الشعر, فسأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الإسلام، فأجابه بأركان الإسلام الخمسة: الشهادتان والصلاة والزكاة والصوم والحج, ثم سأله عن الإيمان فقال: الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر, وتؤمن بالقدر خيره وشره »

فهذه أركان الإيمان الستة:
الركن الأول: الإيمان بالله.
الركن الثاني: الإيمان بالملائكة.
الركن الثالث: الإيمان بالكتب المنزلة.
الركن الرابع: الإيمان بالرسل.
الركن الخامس: الإيمان باليوم الآخر والبعث والجزاء والحساب والجنة والنار.
الركن السادس: الإيمان بالقدر خيره وشره.


هذه الأصول الستة هي أصول الإيمان, وهذه الأصول أصول الإيمان الستة أجمعت عليها الرسل, ونزلت بها الكتب, وآمن بها جميع المسلمين, ولم يجحد شيئا منها إلا من خرج عن دائرة الإسلام وصار من الكافرين.

إذا الإيمان بالقدر حكمه أصل من أصول الإيمان الستة, ركن من أركان الإيمان, وأصل من أصول الإيمان, لا يصح الإيمان إلا به, فمن لا يؤمن بالقدر فهو ماذا ؟ فهو كافر.
والإيمان بالقدر له أربعة مراتب, لا بد من الإيمان بمراتب القدر الأربع, من لم يؤمن بها لم يؤمن بالقدر, ومن آمن بها فهو مؤمن بالقدر.

المرتبة الأولى : العلم, العلم يعني علم الله, إثبات علم الله السابق الأزلي.
المرتبة الثانية: الكتابة كتابة الله - التي في اللوح المحفوظ.
المرتبة الثالثة: الإرادة والمشيئة.
المرتبة الرابعة: الخلق والإيجاد,

هذه مراتب القدر الأربع التي من لم يؤمن بها لم يؤمن بالقدر, واضح هذا.

المرتبة الأولى: العلم, والعلم الإيمان بعلم الله الأزلي, العلم الإيمان بأن الله علم كل شيء في الأزل, علم ما كان في الماضي, وعلم ما يكون في الحاضر, وعلم ما يكون في المستقبل, وعلم ما لم يكن لو كان كيف يكون, علم ما كان في الماضي الأزل, الأزل يعني لا بداية لأوليته, الله سبحانه هو الأول ليس قبله شيء ولا بداية لأوليته, وعلمه كذلك علمه أزلي ليس لأوليته بداية, علم ما كان في الماضي في الأزل, وعلم ما يكون في الحاضر, وعلم ما يكون في المستقبل, وعلم ما لم يكن لو كان كيف يكون, الشيء الذي لم يكن لو كان كيف يكون, علم, مثال ذلك أن الكفار إذا بعثوا يوم القيامة يتمنون الرجعة ماذا يقولون؟: ربنا أخرجنا منها فإنا لا نعود, لو رددتنا إلى الدنيا لأحسنا العمل. يطلبون أن يردوا إلى الدنيا لماذا؟ حتى يؤمنوا. قال الله تعالى: ﴿ وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ ﴾4 هذا علمه بما لم يكن لو كان كيف يكون, لو ردوا يعلم الله ماذا يكون منهم, لو ردوا لعادوا لما نهوا عنه, وقال سبحانه: ﴿ وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ ﴾5
لو أسمعهم ماذا يكون؟ يعلم الله أنهم يتولوا. وقال سبحانه عن المنافقين الذين تخلفوا عن غزوة تبوك, تخلفوا عن غزوة تبوك، لكن الله علم لو خرجوا ماذا يكون, قال الله تعالى، بين الحكمة من أن الله تعالى منعهم من الخروج وثبطهم لحكمة قال: ﴿ وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ ﴾6 ماذا يحصل؟ ﴿ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ ﴾ 7 هذا من علمه بما لم يكن لو كان كيف يكون, لا بد من الإيمان بهذه المرتبة.


المرتبة الثانية: الكتابة, وهو الإيمان بأن الله كتب كل شيء في اللوح المحفوظ قبل خلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة, كتب كل شيء, ما الذي كتب في اللوح المحفوظ؟ كتب كل شيء, كتب الله ما يكون إلى يوم القيامة؛ الذوات, والصفات, والأفعال, والحركات, والسكنات, والسعادة, والشقاوة, والأرزاق, والآجال, والرطب, واليابس, كل شيء مكتوب؛ ذواتك وصفاتك وأفعالك كل ما يحصل منك, وكل ما يحسب عليك مكتوب في اللوح المحفوظ حتى العجز والكيس.
الدليل على إثبات هاتين المرتبتين: العلم والكتابة, قال الله تعالى: ﴿ أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ ﴾8 وهو اللوح المحفوظ, هذا فيه إثبات العلم والكتابة, وقال سبحانه: ﴿ مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ ﴾9 وهو اللوح المحفوظ, وقال سبحانه: ﴿ وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ ﴾10 وهو اللوح المحفوظ, وقال سبحانه: ﴿ وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ ﴾11 وهو اللوح المحفوظ, وقال سبحانه: ﴿ وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ ﴾12 وقال عليه الصلاة والسلام: « كان الله ولم يكن شيء قبله »13 وفي رواية: « ولم يكن شيء معه, وكتب في الذكر كل شيء »14 الذكر هو اللوح المحفوظ, وثبت في صحيح مسلم من حديث عبد الله بن عمرو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « كتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة, وكان عرشه على الماء »15 وقال عليه الصلاة والسلام: « أول ما خلق الله القلم, قال له: اكتب. قال: يا رب وماذا أكتب؟ قال: اكتب مقادير كل شيء حتى تقوم الساعة »16 وفي لفظ: « ما جرى في تلك الساعة بما هو كائن إلى يوم القيامة »17 هذا فيه إثبات المرتبتين العلم والكتابة.


المرتبة الثالثة: الإرادة, المعنى الإرادة الإيمان بأن كل شيء يقع في هذا الوجود, فالله أراده كونا وقدرا, لا يقع في ملك الله ما لا يريد ولكن الله يفعل ما يريد, قال: ﴿ فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا ﴾18 .

والإرادة نوعان عند أهل السنة: إرادة كونية خلقية قدرية, وهذا هو المراد منها. وإرادة دينية شرعية.

فالإرادة الكونية والإرادة الدينية تجتمعان في حق المؤمن؛ كأبي بكر, وتنفرد الإرادة الكونية في حق الكافر؛ كأبي لهب, والظاهر هنا الإرادة الكونية, إن الله تعالى كل شيء يقع في هذا الوجود أراده كونا وقدرا, أما الإرادة الدينية فقد يريدها وقد لا يريدها, فالذي يقع في هذا الكون, كل ما يقع في هذا الكون؛ المعاصي والكفر أراد الله وقوعها كونا وقدرا, لكن ما أرادها دينا وشرعا, أرادها لما يحصل لما يترتب عليها من الحكم, فهي مرادة لغيرها لا لذاتها, لولا وجود الكفر والمعاصي لفاتت حكم كثيرة, من هذه الحكم ظهور قدرة الله على إيجاد المتقابلات؛ خلق إبليس والشياطين في مقابل الذوات الطاهرة كالملائكة والأنبياء, المتقابلة كالليل والنهار, لولا خلق إبليس والشياطين والمعاصي والكفر لما وجدت عبوديات متنوعة؛ كعبودية الجهاد في سبيل الله, لو كان الناس كلهم مؤمنين أين عبودية الجهاد في سبيل الله؟ أين عبودية الولاء والبراء؟ أين عبودية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟ أين عبودية الدعوة إلى الله؟ أين عبودية الصبر على الهوى؟ كل هذه العبوديات تفوت فهي مرادة لا لذاتها لكن لغيرها, -ولله المثل الأعلى- كالمريض المريض الذي يجبره الطبيب على شرب الدواء المر, دواء مر علقم فيقول الطبيب: اشرب هذا الدواء المر. فيشربه المريض, يشرب المريض, هل هو يريده لذاته أم لشيء آخر؟ يريد شيئا آخر, يريده للعافية, فهو مراد للمريض, الدواء المر مراده للمريض لذاته والَّا لغيره؟ لغيره, وهو الشفاء والعافية, بخلاف الحلو , العصير حلو يشرب لذاته, مراد لذاته، لكن الدواء المر مراد لغيره, وكذلك الله تعالى أراد الطاعات لذاتها، وأراد المعاصي كونا وقدرا؛ لما يترتب عليها من الحكم والأسرار, لا بد من الإيمان بالإرادة.


المرتبة الرابعة: الخلق والإيجاد, لا بد أن تثبت كل شيء في هذا الوجود خلقه الله, الذوات والصفات والأفعال وكل شيء, قال تعالى: ﴿ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ ﴾﴿ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ ﴾ ﴿ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا ﴾ هذه المراتب الأربع لا بد من الإيمان بها.


0 التعليقات: