{ القرآن الكريم }

Followers

الاثنين، 9 مايو 2011
<><><>
<>
بسم الله الرحمن الرحيم


لقد أحاط الله_جل وعلا_بكل شيء علما, وعلمه أزلي لا محدود ولا ينقص,فخلق الخلائق , وقدر لها مقاديرها , وقضي أمرها وفق ماخلق من سنن كونية تضبط حركة هذا الكون العظيم بما فيه من خلائق وكائنات.


معنى القدر:

هو القضاء الذي يقضي الله به على عباده ,وجمعه أقدار, واشتق منه القدير: ذو القدرة والقادر والمقتدر من أسماء الله الحسنى, وتقول قدر الله الأمر بمعنى دبَره , وقدر الله الأمر على فلان , جعله له وحكم به عليه , وأقدره الله على الأمر قواه عليه.


وأصله من التقدير والتدبير وجعل الشيء يجري على نظام وحكمة, قال الله _تعالى_:" وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ شَيْءٍ مَّوْزُونٍ ﴿١٩﴾ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ وَمَن لَّسْتُمْ لَهُ بِرَازِقِينَ ﴿٢٠﴾ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلَّا عِندَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ ﴿٢١﴾ "سورة الحجر الآية من 19_21.


الفرق بين القضاء والقدر:

لقد اختلفت عبارات العلماء في مفهومي القضاء والقدر, فمنهم من جعلهما تعريفا واحد, ومنهم من عرف القضاء تعريفا مغاير للقدر, فقال :

القدر: علم الله_تعالى_بما تكون عليه المخلوقات في المستقبل.
والقضاء: إيجاد الله _تعالى_الأشياء حسب علمه وإرادته.

وقد عكس بعضهم المعنيين السابقين , فجعل تعريف القدر للقضاء والعكس,هو امر محتمل.

إما من عرفهما تعريف واحد فقد قال:هو النظام المحكم الذي وضعه الله لهذا الوجود, والقوانين العامة والسنن التي ربط بها الأسباب بمسبباتها.

وجوب الإيمان بالقدر:

الإيمان بالقضاء والقدر عقيدة من العقائد التي أسسها الإسلام على الإيمان بالله _عز وجل_وبناها على المعرفة الصحيحة لذاته العليا, وأسمائه الحسنى , وصفاته العظمى,فقد أوجب الإسلام لله _عز وجل_ نعوت الكمال ,وصفات الجلال والكمال .

ومن هنا يجب على كل مسلم أن يؤمن بالقضاء والقدر ,خيره وشره, حلوه ومره,ويقصد الإيمان على هذا النحو الإيمان بعلم الله القديم , والإيمان بقدر الله القادر,والإيمان بمشيئة الله النافذة,والإيمان بأن الله هو الخالق وكل ما سواه مخلوق , والإيمان بأن ماقدره الله مكتوب في اللوح المحفوظ.


فالإيمان بالقدر: هو التصديق الجازم بأن كل ما يقع في هذا الوجود يجري وفق علم الله وتقديره منذ الأزل.
في حديث جبريل_ عليه السلام_(المشهور), حيث جاء إلى النبي _صلى الله عليه وسلم_ في صورة إعرابي وسأله عن الإسلام, ثم عن الإيمان, ثم عن الإحسان، قال _صلى الله عليه وسلم _عن الإيمان: (أن تؤمن بالله , وملائكته, وكتبه, ورسله, واليوم الأخر,وتؤمن بالقدر خيره وشره) .

فالإيمان بالقضاء والقدر ركن من أركان الإيمان , وأصل من أصول الدين يكفر جاحده ومنكره, فقد روي أن عبادة بن الصامت _رضي الله عنه_قال لابنه :يا بني ,إنك لن تجد طعم الإيمان حتى تعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك , وما أخطأك لم يكن ليصيبك ,سمعت رسول الله _صلى الله عليه وسلم_يقول: (إن أول ما خلق الله ,القلم ,فقال :اكتب, .قال :رب وماذا أكتب ؟,قال : اكتب مقادير كل شيء حتى تقوم الساعة ).ثم قال عبادة (يا بني ,سمعت رسول الله_صلى الله عليه وسلم_ يقول :من مات على غير ذلك فليس مني).

وكذلك قول رسول الله_صلى الله عليه وسلم_ لابن عباس _رضي الله عنه _: (واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشي قد كتبه الله لك , ولو اجتمعت على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك , رفعت الأقلام وجفت الصحف).


وكما يجب الإيمان بالقضاء والقدر يجب الرضا والتسليم لله_تعالى_,فما من شيء يحدث في الكون إلا والله _تعالى_فيه حكمة عالية وتدبير محكم ,ومن هنا كان قبيحا بالمرء أن يتبرم مما قدر له , ويجمل به أن يقابله بكامل الرضا ومطلق التسليم .


مراتب الإيمان بالقدر:
إن تقدير الله _تعالى_لشيء ما يتضمن حقائق أربعا :

1_العلم : فالله _سبحانه وتعالى _ يعلم الأشياء قبل وقوعها ,كعلمه بها بعد وقوعها ,فهو _سبحانه_ يعلم ماكان ,وما سيكون , وما هو كائن , ويحيط بكل شيء علما لا تخفي عليه خافية في الأرض ولا في السماء.

قال _تعالى_:" أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّـهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ۖ مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَىٰ ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَىٰ مِن ذَٰلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ۖ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۚ إِنَّ اللَّـهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴿٧﴾ "سورة المجادلة الآية 7.

2_الكتابة في اللوح المحفوظ: وفي صفحات الكتاب المبين الذي خطت سطور القضاء والقدر, وسجلت المقادير المشتملة على جميع الأعمال والأقوال, وجميع الشؤون والأحوال وعرفت مسارات الأمور ومصائرها.
قال _تعالى_:" مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا ۚ إِنَّ ذَٰلِكَ عَلَى اللَّـهِ يَسِيرٌ ﴿٢٢﴾ "سورة الحديد الآية 22.


3_المشيئة:إن كل ما في الكون إنما هو بمشيئة الله وإرادته , فما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن ,قال _تعالى_:" وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّـهُ ۚ إِنَّ اللَّـهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا ﴿٣٠﴾ يُدْخِلُ مَن يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ ۚ وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا ﴿٣١﴾ "سورة الإنسان الآية30_31.

وفي هذا السياق فإننا نجد أن إطلاق المشيئة في آية ,تقيده آية أخرى يذكر فيها الاختيار الإنساني صريحا , أي إضلال الله لشخص ما معناه :أن هذا الشخص آثر الغي على الرشاد ,فأقره الله على مراده ,وتمم له ما ينبغي لنفسه ,قال_تعالى_:" وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَد تَّعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّـهِ إِلَيْكُمْ ۖ فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّـهُ قُلُوبَهُمْ ۚ وَاللَّـهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ﴿٥﴾ "سورة الصف الآية 5.

وانظر كذلك إلى قيمة الإرادة الإنسانية في قول الحق وهو يتكلم عن إرادته:" وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ ۗ قُلْ إِنَّ اللَّـهَ يُضِلُّ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ ﴿٢٧﴾ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّـهِ ۗ أَلَا بِذِكْرِ اللَّـهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ﴿٢٨)"سورة الرعد.

إن الله قادر لو شاء على أن يخلق بني آدم بطبيعة لا تعرف إلا الهدى , ولو شاء لقهرهم على الهدى , ولكنه سبحانه شاء غير ذلك..!! شاء أن يبتلي بني آدم بالقدرة على الاتجاه إلى الهدى أو الضلال .ليعين من اهتدى , ويمد الضال في غيه وفي عميانه.


4_الخلق :إن كل مافي الكون بخلق الله وأثر قدرته , ليس له شريك في الخلق ,قال _تعالى_:" قُلْ مَن رَّبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّـهُ ۚ قُلْ أَفَاتَّخَذْتُم مِّن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ لَا يَمْلِكُونَ لِأَنفُسِهِمْ نَفْعًا وَلَا ضَرًّا ۚ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَىٰ وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ ۗ أَمْ جَعَلُوا لِلَّـهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ ۚ قُلِ اللَّـهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ ﴿١٦)"سورة الرعد الآية 16.

فما من مخلوق في الأرض ولا في السماء إلا خالقه سبحانه ولا خالق غيره ,وانه على كل شي قدير .
فلنستمع إلى قوله_تعالى_:" أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّـهَ يُزْجِي سَحَابًا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِن جِبَالٍ فِيهَا مِن بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَن يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَن مَّن يَشَاءُ ۖ يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ ﴿٤٣﴾ يُقَلِّبُ اللَّـهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَعِبْرَةً لِّأُولِي الْأَبْصَارِ ﴿٤٤﴾ وَاللَّـهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِّن مَّاءٍ ۖ فَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَىٰ بَطْنِهِ وَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَىٰ رِجْلَيْنِ وَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَىٰ أَرْبَعٍ ۚ يَخْلُقُ اللَّـهُ مَا يَشَاءُ ۚ إِنَّ اللَّـهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴿٤٥﴾ "سورة النور.

قال _تعالى_:" إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ ۖ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا ﴿٧٢﴾ "سورة الأحزاب الآية 72.

فمن هذه الآية نعرف أن السموات والأرض والجبال وغيرها من المخلوقات عرضت عليها الأمانة أو حرية الاختيار , فاختارت أن تكون مقهورة مسخرة , ورفضت حمل الأمانة التي حملها الإنسان ورضي إن يكون مختارا , قادرا على الطاعة , وقادرا على المعصية , والإنسان لم يعط لنفسه حرية الاختيار, ولكن الله _سبحانه وتعالى_شاءت قدرته أن يعطي الإنسان الاختيار فخلقه مختارا, والإنسان مريد لأفعاله مختار لها , والله هو الذي جعله كذلك لعلة الابتلاء والجزاء.

ومن هنا لو إن العبد اكره على شيء أو اجبر لم يتحمل وزر ذلك, بثواب أو عقاب لأنه فاقد الإرادة الحرة, والاختيار التام, وذلك كالمجنون, والصبي, والنائم, والناسي, فكل هؤلاء لا مؤاخذة عليهم في أفعالهم.
مذاهب السلف في مفهوم القضاء والقدر:

أحسن سلفنا الصالح في الإيمان بهذه العقيدة وان هذه أمور مسلم بها, علمها الحق تبارك وتعالى, وأرادها, ونفذها استقلالا. وسجلها على عباده منذ الأزل , وعلى ذلك أجمع الصحابة , والتابعون وجميع أهل السنة إن كل ماهو كائن إلى يوم القيامة فهو مكتوب مقدر في أم الكتاب.

إن الخوض في غير ذلك نهى عنه الرسول_صلى الله عليه وسلم_, وكذلك التعمق في القدر وتناوله على غير هذه الصورة , فقد أخرج الإمام أحمد بإسناده عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال:(خرج الرسول ذات يوم والناس يتكلمون في القدر قال : وكأنما تفقأ في وجهه حب الرمان من الغضب, قال فقال لهم :مالكم تضربون كتاب الله بعضه ببعض؟بهذا هلك من كان قبلكم)

وعن ابن الدليمي قال لهم,رأيت أبيَ بن كعب فقلت له: ( وقع في نفسي شيء من القدر فحدثني بشيء لعل الله يذهبه من قلبي , قال : لو إن الله عذب أهل سمواته وأرضه .عذبهم وهو غير ظالم لهم, ولو رحمهم...كانت رحمته خيرا لهم من إعمالهم , ولو أنفقت مثل أحد من ذهبا في سبيل الله ما قبله الله منك حتى تؤمن بالقدر , وتعلم إن ما اصابك لم يكن ليخطئك , وان ما أخطأك لم يكن ليصيبك ولو مت على غير هذا لدخلت النار . قال أتيت عبد الله بن مسعود فقال مثل ذلك , قال : ثم أتيت حذيفة اليمان فقال مثل ذلك ثم أتيت زيد بن ثابت فقال مثل ذلك)


ثمرات الإيمان بالقضاء والقدر:
1) الصبر والرضا والتسليم لله _تعالى_.
2) طمأنينة النفس, لأن المسلم يعتقد بسعة علم الله, وان الخير فيما اختاره كله.
3) دعوة المؤمن إلى العمل والسعي , قال _صلى الله عليه وسلم _(المؤمن القوي خير وأحب إلى الله خير من المؤمن الضعيف وفي كل خير , احرص على ماينفعك , واستعن بالله ولا تعجز,.
أصاب شي فلا تقل لو أني فعلت كذا وكذا كان كذا وكذا , ولكن قل : قدر الله وما شاء فعل , فإن لو تفتح عمل الشيطان).
4) الشجاعة والإقدام , لأنه يعلم أن اجله مكتوب وان لا ينقصه الإقدام ولا يزيده.
5) ثبات المؤمن أمام الابتلاء بالخير والشر .
6) الكرامة وعزة النفس .
  
المصدر : الكتاب المدرسي

0 التعليقات: